الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ}. وفي هذا دليل على أنه كانت له ذنوب، ولم يكن جميعُ استغفاره لأمته لأنه قال في موضع آخر: {وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19] وهنا لم يذكر ذلك. ويمكن حَمْلُ الذَّنْبِ على ما كان قبل النبوة؛ إذ يجوز أن يكون العبد قد تاب من الزَّلَّة ثم يجب عليه الاستغفار منها كلما ذكرها، فإن تجديد التوبة يجب كما يجب أصلُ التوبة.{إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56)} {بَغْيْرِ سُلْطَانٍ} أي بغير حجة.{إِن في صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ} أي ليس في صدورهم إلا كِبْرٌ يمنعهم عن الانقياد للحق، ويبقون به عن الله، ولا يصلون إلى مرادهم.{لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (57)} أي خَلْقُ السموات والأرضِ أكبرُ من بعثهم وخَلْقهم مرةً أخرى بعد أن صاروا رميمًا؛ فالقوم كانوا يُقِرُّون بخلْقِ السموات والأرض، وينكرون أمرَ البعث.{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ (58)} أراد به: ما يستوي المؤمنُ والكافرٌُ، ولا المربوطُ بشهوته كالمبسوط بصفوته، ولا المجذوبُ بقربته كالمحجوب بعقوبته، ولا المُرَقّي إلى مشاهدته كالمُبقّي في شاهده، ولا المجدود بسعادته كالمردود لشقاوته.{إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (59)} أنَّ ميقاتَ الحسابِ لكانٌ وإن وقعت المدةُ في أوانه.{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)} معناه: أدعوني اأستجب لكم إن شِئتُ؛ لأنه قال في آية أخرى: {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَاءَ} [الأنعام: 41].ويقال ادعوني بشرطِ الدعاء، وشرطُ الدعاء الأكلُ من الحلال؛ إذا يقال الدعاء مفتاحُه الحاجة، وأسبابُهُ اللقمةُ الحلال.ويقال كلُّ مَنْ دعاه استجاب له إمّا بما يشاء له. أوبشيء آخر هو خيرُ له منه.ويقال الكافر ليس يدعوه؛ لأنه إنما يدعو مَنْ له شريك، وهو لا شريكَ له.ويقال: إذا ثبت أن هذا الخطاب للمؤمنين فيما مِنْ مؤمنٍ يدعو الله ويسأله شيئًا إلا أعطاه في الدنيا، فأما في الآخر ة فيقول له: هذا ما طلبْتَه في الدنيا، وقد ادْخرتُه لك لهذا اليوم حتى ليتمنى العبدُ أنه ليته لم يُعطَ شيئًا في الدنيا قط.ويقال: ادعوني بالطاعات استَجبْ لكم بالثواب والدرجات.ويقال ادعوني بلا غفلة أستجب لكم بلا مهلة. ويقال ادعوني بالتنصل أستجب لكم بالتفضُّل. ويقال ادعوني بحسَبِ الطاقة أستجب لكم بكشف الفاقة.ويقال ادعوني بالسؤال أستجب لكم بالنّوال والأفضال.{إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عِنْ عِبَادَتِى} أن يستكبرون عن دعائي، سيدخلون جهنم صاغرين.قوله جلّ ذكره: {اللَّهُ الذي جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ لِتَسكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا}.سكونُ الناسِ في الليل على أقسام: أهلُ الغفلة يسكنون إلى غفلتهم، واهل المحبة يسكنون بحكم وصلتهم، وشتّان بين سكونِ غفلةٍ وسكونِ وصلة!قومُ يسكنون إلى أمثالهم وأشكالهم، وقومٌ يسكنون إلى حلاوة أعمالهم؛ لبسطهم واستقلالهم، وقومٌ يعدِمون القرار في ليلهم ونهارهم وأولئك اصحابُ الاشتياق إبدًا في الاحتراق.{ذَالِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ} الذي جعل سكونكم معه، وانزعاجكم له، واشتياقكم إليه، ومحبتكم فيه، وانقطاعكم إليه.قوله جلّ ذكره: {اللَّهُ الذي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا والسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوًَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ}.{وَصَوًّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} خَلقَ العرشَ والكرسيّ والسموات والأرضين وجميعَ المخلوقاتِ ولم يقُلْ هذا الخطاب، وإنما قال لنا: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} وليس الحَسَنُ ما يستحسنه الناسُ بل الحَسنُ ما يستحسنه الحبيبُ:
لم يَقُلْ للشموس في علائها، ولا للأقمار في ضيائها: {وَصَوَّرَكُمْ فََأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ}.ولما انتهى إلينا قال ذلك، وقال: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4].ويقال إن الواشين قَبَّحوا صورتكم عندنا، بل الملائكةُ كتبوا في صحائفكم قبيحَ ما ارتكبتم.. ومولاكم أحسن صوركم، بأن محا من ديوانكم الزّلاّت، وأثبت بدلًا منها الحسنات، قال تعالى: {يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: 39]، وقال: {فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان: 70].قوله جل ذكره: {وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ}.ليس الطيبُ ما تستطيبه النفْسُ إنما الطيب ما يستطيبُه القلبُ، فالخبزُ القفار أطيب للفقير الشكر من الحلواء للغنيِّ المتَسَخِّط.ورِزْقُ النفوسِ الطعامُ والشرابُ، ورزقُ القلوبِ لذاذات الطاعات.{هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65)} {هُوَ الْحَىُّ} الذي لا يموت، ولا فضلُه يفوت، فادعوه بلسان القوت، وذلك عليه لا يفوت.{قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (66)} قُلْ يا محمد إني نهيت عن عادة ما تدعون من دون الله، أي أُمِرْتُ بالتبرِّي عمَّا عبدتم، والإعراض عمّا به اشتغلتم، والاستسلام للذي خلقني، وبالنبوة استخصّني. اهـ.من الإعجاز العلمي في القرآن: للدكتور زغلول النجار:بحث بعنوان: من أسرار القرآن:
|